آخر الأخبار :
الرئيسية - أدب وثقافة - حدد مصيري على قارعة الطريق - نوال زياني

حدد مصيري على قارعة الطريق - نوال زياني

الساعة 02:47 صباحاً (خليجي نيوز - خاص)

في الزّقَاق المحاط بالصُّبّار، يَخِرُّ الماء المتسخ، الفاسد، الذي يخرجُ من مطهرة غرفة الضيوف، ومن السقيفة. يسيلُ في منحدرٍ مستقيمٍ، إلى أن يستقر على جذوع شجرة الخَرّوب، وكذا شجيرات اللوز.

 هُنا، بالضبط، انزلق قدمُ "دادي" أول مرة جاء لطلب يدي. كنتُ أجْهَلُ دوافعه لزيارتنا مباشرة بعد أربعينية عمتي المتوفاة.

بقية الخبر أسفل الروابط التالية:

الأكثر قراءة:

«فأصبحت كالصريم» اكتشاف موقع أصحاب الجنة التي أحرقها الله عقاباً لأصحابها، شمال صنعاء اليمن -صور  

المعنى الحقيقي والمقصود بكلمة (واضربوهن) في القرآن الكريم؟ (سقط الكذب) 

أشخاص ملحدون وضعوا طفلهم فى زيت مغلي عند ولادته ليروا كيف سينقذه الله فجاءهم الرد كالصاعقة!! ستبكي 

لا تتلف جهازك التناسلي .. تجنب هذا الخطأ الكارثي الذي يرتكبه الكثير 

العثور على فنانة مصرية ميتة وهي ساجدة في الحرم النبوي الشريف -صور   

تهز الوسط الفني.. القبض على فنانة شهيرة تمارس الرذيلة مع شاب على سرير زوجها المخرج 

احذر وبشدة.. «القاتل الصامت» الموجود في كل المنازل ويدمر الدماغ.. لن تصدق ماهو 

بالفيديو - عروس تحدث جدلاً كبيراً في تونس.. بعدما قررت الإحتفال بزفافها بالبيكيني وأدت رقصة الـ ستربتيز (آخر شخلعة) 

خطير للغاية.. خلايا الحوثي تصطاد قيادات الشرعية من الكباريهات وشقق السهرات في القاهرة بهذه الطريقة  

لون لسانك يدل على هذه الأمراض في الجسم .. اكتشفها قبل أن تندم. تفقد حياتك  

توفت زوجته أثناء الولادة دفعه ان يتزوج صديقتها الطبيبة التى ولدتها.. وفى ليلة الدخلة اكتشف مفاجأة قاتلة جعلته ينهار 

وجبة ما قبل الجماع.. د.هبة قطب تنصح بتناول هذه الأطعمة11 

====================================

346

لاحظتُ، حينها، أغراضا وسُخرةً على شِوال حصانه، قلتُ في نفسي: "ربما عادَ من سفرةٍ، أو لعلّه تَسَوَّقَ من "الرواضي". 

طلبت منه أمي الدخول لتسعفه بلبخة من نبات الحريقة. وأشارت لي أن أضع المقراج على المجمر لتحضير الشاي.

تذكرتُ أن آخر قطعة سكر لدينا اسخدمناها هذا الصباح، فهُرعتُ إلى "رحمة" لأستلف منها قالبا.

وجدتُ "رحمة" تتجاذبُ أطراف الحديث مع "مينا" وفي يدها عٌكّاز كانت تضرب به السجاد لتنفض عنه الغبار.

"مينا" عادة لا تدق باب الآخرين إلا لطارئ. جرى الكلب ناحيتي، فاستدارتا وشفاههما ترسم ابتسامة لم تكن مألوفة. 

رفعت "رحمة" العكاز في رقصة "الشيخ عيسى". و"مينا" ضمت شفتيها تزغرد زغرودة مكتومة.

قلت : خير إن شاء الله، من سيتزوج؟

ردت رحمة : ألا تعرفين أيتها الماكرة. 

لاحظت أن "مينا" أصابها الهزال، ووجهها بات بيضويا أكثر من المعتاد. هو القلق! قلت في نفسي. اقتربت منها وقلت لها: - -لهذا كنت تستعجلين إكمال خياطة جهازك؟ ستتزوجين؟

قالت "مينا" وهي تضم جذعيها وكأنها تحتمي خلف خجلها: " لا، لا، لست أنا من سيتزوج". تورّد وجهها الخجول وأشاحت بنظرها عني، ومقلتاها تتأرجحان في انكسار. 

تركت "رحمة" العكاز يسقط من يدها محدثا قرقعة أفزعت الكلب، ففرّ، يحرك ذيله حيث تستلقي القطة، التي فرّت، بدورها، لتترك له المكان.

ضحكت "رحمة" وهي تعيد شد غطاء شعرها: "أنت من سيتزوج".

قلت في ذهول: أنا ؟ ونهرتها لتكف عن حماقاتها. 

لكن "رحمة" لم تصمت، صار الكلام يتطاير من فمها ويسقط كحصى ملتهبة على مسامعي، كطنين الذباب المزعج. 

"السيد "دادي" عندكم، لقد جاء لخطبتك، لتحلي مكان عمتك، هذه عاداتنا منذ القدم".

- كيف خمّنت هذا الهراء، لقد مر فقط في زيارة خاطفة.

- لا ... لا لم أخمّن، لقد تحدث مع عمك "سلام"، التقاه في "الرواز" قبل أن يصل عندكم. وزوجي سمعهما.

 حدد مصيري على قارعة الطريق ؟ بين رجلين أحدهما وصلت به الجرأة بعدما استهلك كل الحيل للاستيلاء على أملاكنا، أن يضرم النار في محصول أرملة ليس لديها غير فم يصرخ. والآخر لم تبرد بعد جثة زوجته في قبرها.

"منوش" ماذا دهاك؟ جاء صوت "مينا" ضعيفا، بعيدا. 

قلت : " لا يمكن ... لا يمكن أنا لم أبلغ بعد " 

ترد "رحمة": هي مسألة وقت، ستبلغين آجلا. 

انعقد لساني، تراجعت إلى الوراء، أنتزع نفسي وأحملها، إلى أين ؟ لا أدري.

اندفعت راجعة إلى حيث أتيت، وقبل أن أصل إلى البيت، أدرت ظهري له، وأطلقت رجلي للريح دون وجهة معينة. ركضت وركضت، الطريق ينحدر ويعلو كأني تارةً أطير وتارةً أخرى أتتدهدى، إلى أن وجدت نفسي قُبالة نهر "غيس" .

اندفعت دون أن أتنفس، رميت نعلي ورفعت ذيل فستاني ودخلت النهر، فسَخت سروالي واستسلمت له. "دخلتك طرية أيها النهر، كندى فجر شتويّ، أيها النهر نزلت إلى جُبّ خرافتك، صِلْني بنبعك السرمدي، دعني أتحلل فيك قبل أن أبلغ، قبل أن ينزل دم عذريتي في فراش رجل كنت أناديه عمي "دادي"". تماديت في الغوص، في شهوة لا حصر لها، العمق يجذبني في حضن يتلو علي سيرته، مَجْلى يخفي أرواح عُذراوات العصور الآفلة تُهدَى قرابين للنهر، للوحش، للعار.

هبّت ريح خفيفة حملت معها أصواتا تنادي باسمي "منوش"... "منوش"، لم أميز منها سوى صوت كلب ينبح. رفعت سروالي في عجالة، تركت ذيل فستاني للتيار، ومسحت دموعي، أدرت وجهي فإذا بكل القرية قُبالتي. بحثت عن وجه أمي "ميمونت" التي لا تكره شيئا في الدنيا أكثر من أن تكون ابنتها موضع فرجة لأهل هذه القرية البئيسة.

خجلت، وخفت وانتبهت إلى أني أوشك على الغرق. في أثناء السقوط، وأمام هذه الجموع، وجدت نشوة عارمة في التمادي. تركت جسدي لمصيره. لم أقاوم، تركت التيار يجرفني، أقفلت عيوني واستسلمت.

.