لابد أن تتمحور اشتراطات الشرعية في مباحثات السعودية الخاصة بتداعيات الانقلاب الاخير في عدن قبل اي جزئيات هامشية على خارطة جديدة لإعادة رسم وظيفة ودور التحالف العربي المطلوب في الجنوب واليمن بوجه عام , فما حصل من استغلال غاشم ومفرط للقوة في عدن وأبين هو نتاج انحراف أحد أطراف التحالف عن وظيفته وتحوله الى معوق وكابح لعودة الشرعية وممزق عمدي لوحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي بتشكيل جيش محلي (ذيلي) يلبي أطماع هذا الطرف في ثروات وجغرافيا المنطقة.
والمشكلة التي ينبغي على الشرعية فك شفرتها ورموزها وحلحلتها أولا هي وضع حد نهائي لتمادي الإماراتيين في تمويل وتسليح الانقلابيين وليس استبدالهم بطرف آخر(المملكة) التي لا يبدو انها قادرة حتى على احداث توازن عسكري في عدن , لأنه مهما فرض الانقلابيون سطوتهم المؤقتة لن يكونوا أكثر خطرا على البلاد من لعبهم ايضا دور وكلاء الاستعمار , او أولاد واحفاد غرفة MI-6.
وقد تعمدت الصحافة والاعلام الموالي للامارات طوال أكثر من أسبوعين على الانقلاب الأخير الترويج لتسريبات قذرة ومكثفة حول قضايا ومسائل الحوار المرتقبة بين الأطراف اليمنية الجنوبية في السعودية محاولة منها لصرف الانظار وتشتيت اهتمام المجتمع اليمني والدولي عن تورطها الدموي الفظيع في ملف الانقلابات المتكررة التي مهدت لانفجارات فوضى شاملة محتملة في الجنوب.
ومن دون أن تمثل هذه القضية الخطيرة أولوية لسلطة الشرعية اليمنية على مائدة الحوارات لا يجدي أبدا صرف الأنظار إلى قضايا أقل أهمية مثل تقاسم الحقائب الوزارية والبعثات الديبلوماسية وممارسة الحكومة مهامها من عدن .. وغيرها , او حتى نزع سلطات الرئيس واستبدال نائبه بموالي لشريحة الانقلاب .. فقد كان مجلس الارتقالي يدير ست محافظات جنوبية قبل انقلاب يناير 2018 م ومجموعةحقائب وزارية ووكلاء ودبلوماسيين ومدراء وخلافه .. ويتصرف بالموارد والأموال كأنها ملكية واقطاعية خاصة إلى درجة منح فيها رئيس الارتقالي عيدروس الزبيدي محافظ عدن(الأسبق) منتجع خليج الفيل(قلب عدن ) لأحد إخوته بمسمى عقد تأجير وهمي , وفرض مقربين على مشروع إعادة إعمار عدن والإنفاق البذخي والاستيلاء على الأراضي ومنح وكالات تجارية حصرية لمقربين وتجار المجلس المعروفين .. فهكذا هي الروح النضالية التي تسطو على الملكية الخاصة والعامة وتسعى إلى الاستقلال وتضلل العوام بخطابها الإعلامي الزائف !.
* التهاون مع الإمارات *
لم يقدم اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير ولو إشارة وتلميح واحد بإدانة الدور التخريبي للاماراتيين في الجنوب , وكأن مندوب اليمن افترى على حمامة سلام ابو ظبي في شكواه أمام المجتمع الدولي.
ولن تكون لإدانة غريفيث للانتقاليين أي مترتبات , فلن تعيد الحياة لمن ازهقت أرواحهم ظلما ولن تجبر او تعوض من نهبت اموالهم وممتلكاتهم وهجروا من وطنهم قسرا.
أما الممكنات الأخرى للحلول(التخديرية) فأقلها ان تفرض السعودية على حليفها وبصرامة لا مواربة فيها نزع سلاح المليشيات الانقلابية وتجريدها من أدوات تقويض التعايش الجنوبي الجنوبي واليمني في المستقبل , ودمج افرادها في إطار جيش وطني سيادي محض وليس تابعا ذيليا لمراكز قوى مسلحة محلية او بيعة وعمالة للخارج.
*جنوبية ام شمالية *
الأزمة الحالية جنوبية جنوبية, قد لا تتجاوز الى البحث الشامل عن المخرج باشراك طرف انقلاب صنعاء.
ثلاث قضايا واشتراطات تحملها جعبة أطراف حوار جدة او الرياض او مكة:
1-- الرباعية أمريكا بريطانيا السعودية(ما عدا الامارات) تراهن على الحل في إطار دولة موحدة كضمان استراتيجي لأمن المنطقة.
2-- الشرعية ممثلة بالرئيس هادي وحزب الاصلاح والناصريين والاشتراكيين وغيرهم يضعون في الحسبان توخي نهاية حاسمة للانقلابات الدموية بتجريد الطرف الآخر من مصدر قوته (المستعارة) بأسلحة اماراتية.
3-- الانتقالي ومعه جناح 2 ديسمبر(المسلح) في المؤتمر الشعبي ويمثلان مصالح الإمارات في اليمن , ويسعون إلى فرض وتثبيت أمر واقع على الأرض خصوصا(الارتقالي) الداعي الى الانفصال , فيما جناح طارق عفاش(المستزرع) لا حول ولا قوة في الشمال التي يسيطر عليها الحوثيون , لكنه يحتفظ بأوراق عديدة لنفث سمومه المسلحة وتصديرها الى تعز مع حمود الصوفي وآخرين باعتبارهم وكلاء ميناء المخا وباب المندب وجزء من الحديدة ألتي سلمتها لهم الوية العمالقة(الشرعية).
وبالإمكان طرح قضية الحل النهائي الشامل في اليمن كلها على طاولة المباحثات , او تجزئة الحلول , رغم استحالة (الدمج) بعد اعلان الحوثيين قبل أسبوعين ولائهم النهائي لطهران بمبايعة( ولي الامر) الولي الفقيه في إيران.
ومن المرجح ان تؤجل اي مباحثات حول الحل النهائي في اليمن قبل تفكيك الألغام الخطيرة التي زرعها انقلاب الارتقالي الأخير في عدن أبين , لما يمثله من منغصات ومعوقات جمة في طريق حسم معركة السعودية المصيرية مع مشروع التمدد الإيراني على حدود المملكة, وتعويق اي تقدم عسكري ممكن في جبهات الداخل.
أما الرئيس عبدربه منصور هادي فلا تمثل لديه مسألة تقاسم الحقائب الوزارية او المناصب والوظائف الأخرى أولوية قبل تفكيك ونزع أسلحة مليشيات الانتقالي وطرد الإمارات من التحالف أو تصحيح توجهاتها المدمرة في اليمن.
وتعتبر محاولات وتحركات زعماء مسمى الانتقالى السابقة بين روسيا ولندن وايران وغيرها لاختراق حاجز العزلة الدولية ورقة ابتزاز ومساومات الآخرين بما لا يملكون , ولن يكتسبوا بذلك مشروعية الانفراد بتمثيل الجنوب ولا رضوخ السعوديين والأمريكان لاملاءآتهم .
* هل تبدأ الحلول من شبوة*
وليعيدوا قراءة ما تناوله اللواء الوزير أحمد مساعد حسين في لقائه المصور أمس مع مجموعة من اعلاميي شبوة مع بدء افتعال مليشيات الإمارات الانتقالية دورة عنف دموي جديدة في المحافظة .. وملخص حديثه هو :
إن مهمة دول التحالف هي المساعدة على دحر الانقلاب الحوثي وليس زرع بذور الفتنة والاقتتال بين أبناء الجنوب , وأن أبناء شبوة هم وحدهم من حرروا مناطقهم من الحوثيين ولا يحتاجون لمن يصدر اليهم الفوضى والقلاقل الى عقر دارهم من أبناء مناطق وارياف الجنوب الأخرى , وأن الأولويات الراهنة في اليمن كلها لمواجهة التمدد الإيراني الحوثي وليس فرض مشروع الصراع الدموي على السلطة في الجنوب).
ولا يخلو لقاء اللواء احمد مساعد حسين من كشف مخطط الانتقالي (الانتقامي) من أبناء شبوة عبر محاولة الزج بهم ليكونوا وقودا لحرب الانتهازيين وحطبها مع قبائل مأرب والجوف وكل الشمال ..) والتي سوف تضطر الى ذلك على ما يبدو بنظري ليس دفاعا عن الوحدة الجغرافية ولكن لاسترداد ما تعتبره حقوقا طبيعية لها في الثروات النفطية والمعدنية والغاز والمعترف بها لها دوليا بالوثائق والخرائط المعتمدة في المناطق الحدودية الشطرية القديمة!.
والأهم إن الرجل احمد مساعد(حكيم شبوة) حاول إيصال الرسالة الأخطر , وهي أن القضية الجنوبية لا يتحكم بها او يمثلها طرف من مناطق محدودة بفرض شروطه ورغباته على الآخرين بالقوة , فموضوع فك الارتباط ليس امرا سهلا بحسب الرجل .. فالوحدة الاندماجية التي سعى إليها الطرف الجنوبي بحسب كلامه وتحمس لها اكثر من قيادات الشمال انفسهم قامت على قواعد ووثائق وعهود دولية موثقة والتنصل عنها في ظروف الحرب قد يضيع حيثيات القضية كلها في المستقبل ويجلب مخاطر اكبر لأنها( مش لعب عيال).. وبما معناه إن التعقيدات أصبحت أكثر من ذي قبل مع تشابك أحداث اليمن وتداعياتها في المعركة الشاملة بالمنطقة .. وإن الزج بالجنوبيين في معركة سياسية بحتة بأدوات عسكرية وقوة مستعارة ستكون مغامرة مجهولة العواقب .. ولم يستبعد حكيم شبوة (ضمنا) أن تكون خيارات بقاء التوحد مع الأخوة شمال اليمن من عدمه رهن قواعد لعبة سياسية بعيدة أهمها الإجماع الجنوبي نفسه الذي لم تتشكل بعد ملامح خياراته وقناعاته النهائية .. فليس من المعقول تهور الجنوبيين نحو الانفصال او فك الارتباط بالدرجة غير المدروسة نفسها التي فرضت فيها قياداتهم السابقة على الشماليين وحدة اندماجية يدفع بسطاؤهم ثمنها الى اليوم ..
وعسى أن يكون ما طرحه حكيم شبوة احمد مساعد حسين في لقائه امس إجابة غير مباشرة على صوت جنوبي بارز هو الأستاذ عبدالرحمن الجفري (ابن لحج الخضيرة) زعيم حزب رابطة ابناء اليمن( الجنوب لاحقا) الذي وجه دعوة مفاجئة إلى النخب في الشمال للاتفاق حول قضايا هي من صميم الأطياف الجنوبية قبل غيرها ..
ومع الافتراضات التي تطرق اليها الجفري فإن التمثيل الشرعي يكون للاطراف الوريثة للأوضاع (الحزب الاشتراكي) .. ولعل أستاذنا الكبير أطلق دعوته بمناسبة احتفالية يوم الغدير ( الولاية) قبل يومين لدغدغة الحوثيين غير المعترف بهم لا في الداخل ولا في الخارج , ولكنهم قد يستجيبون لها أكثر من غيرهم كون ولي الله القائد السيد عبدالملك الحوثي يدرك إن التماهي مع مشروع كهذا يضمن له الانفراد و التتويج على رقعة لا بأس بها من البلاد , أفضل من المضي في معركة لن يحسمها لصالحه .. أما التعايش هنا وهناك الذي اشار إليه زعيم الرابطة فهو أشبه (عمليا) بصكوك الغفران , اما شروط المواطنة الحقيقية المتساوية لليمنيين شمالا وجنوبا في بلادهم فلا تمنح لهم بالجغرافيا بل بقواعد وشروط (المواطنة الصالحة) للجميع وعليهم .. فكل مخرب اومفسد من اي منطقة كان هو عدو للحياة , وكل مصلح ومعمر للأرض أحق واجدر بها من غيره ولو كان لا ينتمي للجغرافيا نفسها .. وهذا هو الاستخلاف في الارض الذي اشترطه علينا أرحم الراحمين , فحق المواطنة المتساوية لا يحتاج إلى تقنين أو أن يهبه مخلوق لمثله من الخلق , وليس أسوأ من افتعال صراع الهوية في وطن واحد , وذاك شرط للتكافؤ بين العقلاء(مفروغ منه)!! أما توظيف ثقافة الكراهية لحشد التأييد السياسي والحزبي فأسوأ انواع العبوديات المعاصرة قادت الى ما نحن عليه.
* بين الجفري والبيض *
لم يترك المخربون بسطاء الناس في عدن يترزقون كما شاء لهم الله , تماما كما كان وضع السياسيين الجنوبيين القدامى لعقود طويلة في المنافي القسرية .. ولا استثير وجعا لأن أحد أبرز قيادات مكونات الطيف الجنوبي بحجم الاستاذ والصديق عبدالرحمن الجفري لا يعلم حتى الآن إن عشرة آلاف من المهجرين من عدن إلى شمال اليمن قسرا مع الانقلاب الاخير مهددون بالقتل , وأن قوات الحزام الأمني صادرت بطاقاتهم ووثائقهم الشخصية للتعرف على هوياتهم وتنفيذ وعيدها بتصفيتهم إن عادوا إلى عدن مرة أخرى او طالبوا بمحلاتهم واموالهم وممتلكاتهم المنهوبة.
منكرات كبيرة أخرجت الرئيس علي سالم البيض من صمته وخجل من نفسه أن يتوارى كالآخرين دون ان يدين ما حدث لمواطنيه وأبناء جلدته واعتبرها قمة السفالة والخسة والبشاعة السياسية .. هذا هو الإنسان الكبير الذي لم يلتفت إلى مكاسب شخصية او يفرط بإهدار كرامة وحقوق البسطاء الذي يمن الآخرون عليهم بما لا ينبغي إلا لله.
* أسئلة ضرورية *
هل ينجح الارتقاليون في الإعتراف بهم كطرف وحيد في المباحثات مع غياب غالبية أطياف التمثيل الجنوبي السلمي , ام ستكون المباحثات ليست أكثر من قرصة أذن بالنسبة لهم.
ومن المغامرة على السعوديين والرباعية منحهم أكثر من حجمهم .. وستكون سابقة خطيرة أن يكافأ هؤلاء على ملفات جرائمهم المتتالية التي ينبغي أن تظل مفتوحة خصوصا بعد إفادة المبعوث الدولي غريفيث الذي أدان همجيتهم ووحشيتهم المفرطة.
مشاركة مسمى 2 ديسمبر الانتهازي في سلطة الشرعية سوف تفكك المؤتمر الشعبي العام بتدشين مرحلة من صراع القيادات .
اما حكر تمثيل محافظات الجنوب على الانتقالي فهو تزكية وشرعنة لجريمة الانقلاب ونتائجها البشعة وغمط لحقوق معظم فصائل الحراك السلمي الغالبة.
وتبقى المحاولات السعودية للتقريب بين فرقاء الجنوبو مجرد ترقيعات مؤقتة بدون نزع فتيل الصراع الذي تؤججه انحيازات الإماراتيين ورعايتهم لفصيل دموي مسلح ضدا على الاهداف والقرارات الدولية المعلنة لاستعادة الشرعية وبسط نفوذها على كل ارض اليمن غير السعيد.