إلى الانتقاليين .. احترموا وحدة آبار النفط !!

عبدالفتاح الحكيمي
عبدالفتاح الحكيمي
2019/07/08 الساعة 08:58 مساءً

 

مؤخرا شاهدت  فيديو خاص بلقاء رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي مع شخصيات جنوبية  يتبرأ   أمامهم من فترة حكم الحزب الاشتراكي للجنوب  ,  ويطمئن فيه الحاضرين  أنه لا عودة لأسلوب الحكم السابق الذي انتهى إلى الأبد , وأن لديهم مشروع حضاري( خضاري) لبناء دولة نظام وقانون  وكمنجة ورباب .. ثم طالبهم   بركز ونصب  اعلام الجنوب فوق كل المؤسسات والمدارس والمصالح  الحكومية , لكنه استدرك ذلك  بطلب قائمة فرز اولية أيضا باسماء  أساتذة الجامعة والمدرسين  الموالين والمعارضين للمجلس الانتقالي !!.
ورأينا في الأيام الماضية  كيف  داهموا   مؤسسات ووزارات  ومقر نقابة عمال الجمهورية في عدن  لفرض ركز اعلامهم  وانزال علم الدولة   بقوة السلاح  وتهديد  الموظفين  بالتصفيات الجسدية.
وإلى هنا تكفي معاينة ملامح  واشباح  دولة الأمن والعدالة  والدستور  والقانون المستقلة القادمة , والاطمئنان الى اسلوب ونهج وعقلية  إدارة مستقبل الجنوب ..  فخطاب الزبيدي  ناهيكم عن الافعال  لم تترك للاخرين اية  ثغرات او  معاني ملتبسة , ولا يحتاج كلامه المباشر إلى ميكروسكوب او رتوش وكوافير لقراءة ما وراء السطور.
أما تنكر الرجل لفترة حكم الاشتراكي فدليل أنه لا يعي ما يقول ولا يدرك حجم أفعال الانتقالي المدمرة للواقع .
 فترة حكم الحزب الاشتراكي السابقة  للجنوب كانت لها وعليها  , فله مثالب مثلما له حسنات , وله خطايا وله  ومراجعات.
 تصرفات الانتقالي المتهورة قبل وصوله إلى السلطة تدل انه اختار لنفسه  مشنقة سياسية   قبل الأوان.
تكرار تفجيرات أنابيب النفط والغاز في شبوة ومنع مليشيات  النخبة والحزام الأمني  الفريق الفني من  اصلاحها تقدم للآخرين داخل اليمن وخارجها صورة كاملة عن عقلية الكابوس المفترض الذي يزكي نفسه لإدارة وحكم الجنوب , ولن يكتوي بنيران وويلات الحرب الأهلية  لا سمح الله أمام التحشيد المخيف سوى أبناء   شبوة أنفسهم ,  لأن الانتقالي يعلم تماما ان الذين يقفون بصبر ضد مشاريع التخريب في  المحافظة  هم  أيضا من أبناء شبوة  نفسها .. وأن اللواء 21 ميكا  الذي يؤدي مهامه النبيلة في عتق ويؤمن  مسافة كيلومترات  من أنابيب النفط والغاز  تشكيلته  من أبناء شبوة نفسها وليسوا اخونجية او يتبعون على محسن كما يشاع للتمويه.
تحصل شبوة على 20%  من عائدات النفط والغاز , وانبوب الغاز الذي تشترك  في حراسته أيضا  النكبة الشبوانية  يمتد  من مصفاة صافر في مأرب الشمالية الى ميناء بلحاف الجنوبي , يحصلون على نسبة من عائداته أيضا. 
تريدون  خنق حكومة  معين عبدالملك وسلطة عبدربه منصور هادي المعلقة في الهواء وتجريدها من أي موارد مالية متاحة وإعلان فشلها  وارباكها أكثر مما هو حالها في الواقع .. وتفتعلون  القلاقل والاضطرابات في حضرموت أيضا من الوادي الى الساحل لخنق مداخيل المنطقة من الثروات الطبيعية بذريعة طرد القوات الشمالية,  وهي ذرائع لتبرير الاستيلاء على الحكم بالقوة , فلم تكن في عدن قوات شمالية  عند شروعكم بالانقلاب الفاشل العام الماضي  , وأين  هذه القوات المزعومة أيضا  في سقطرى التي رفض مواطنوها استيلاء الانتقالي على الميناء والمطار.
 ويعتبر (العدارسة) ذلك تطورا  نوعيا  في اسلوب ادارة الصراع مع الشرعية   
مقارنة بمرحلة الانقضاض العسكري المباشر  على  حكومة احمد عبيد بن دغر في يناير 2018 م , والتي انتهت بمقتل  قادة  عسكريين كبار وقرابة 500 جندي  بين قتيل وجريح من الطرفين ,  وبقي بن دغر وحكومته  التي عاودت  ممارسة سلطاتها  وإدارة الصراع مع  الإماراتيين في سقطرى.
والحقيقة إنك بعقليتك هذه تقدم دولة الجنوب المزعومة  للعالم في الغرب والشرق وكل الجهات والاصقاع  كمجرد غابة بشرية مؤذية,   طاردة  ومقرفة تنفر منها الاستثمارات ورؤوس المال والتجارة ورؤوس البشر  وكل مظاهر الحياة الممكنة الأخرى .. أي إنك عدت بعقليتك وسلوكك السياسي الى مرحلة إغلاق الحزب الاشتراكي  الخزنات الحديدية  على نفسه في السبعينيات وهو  يرقد  فوق كنوز  طائلة ضخمة من مختلف الثروات الباطنة والظاهرة ..   والفرق شاسع رفيقي عيدروس الزبيدي  بين ادعاء السلوك الحضاري والنياح في الإعلام والفيديوهات  وبين  ممارسته في الواقع .
محافظة شبوة هي مفتاح استقرار او تدهور امن اليمن كلها  , ومنها اخي عيدروس  بدأ الحزب الاشتراكي اليمني عام 1987 م إعادة صياغةوعقلنة خياراته السياسية المتطرفة , وليسأل نفسه  ورفاقه في قيادة المجلس الانتقالي  , لماذا فرضت قيادة الحزب والدولة في عام 1987 م  وضع وزير دفاع الجنوب هيثم طاهر حينها  رهن الإقامة الجبرية (مؤقتا) بعد اعلان الشركة الروسية اكتشاف النفط بكميات تجارية في شبوة ..??.
لأنه باختصار كانت معظم الاكتشافات في المناطق الحدودية المشتركة بين الشمال والجنوب , وكادت تنشب بين الشطرين حرب طاحنة بسببها لولا إقرار الطرفين لبعضهما بالحق المشترك في استغلال الثروة.
وكان الإنجليز قبل ذلك أواخر اربعينيات القرن الماضي  قاموا  بردم آبار النفط الاستكشافية في شبوة  بالخرسانة المسلحة والصبيات عندما تبين لهم أن جزءا كبيرا منها تقع ضمن خارطة الحدود الجغرافية  التي سلموها للمملكة المتوكلية اليمنية.
واستنادا إلى خرائط الحدود المعترف بها دوليا  أيضا أطلق الأمريكان  قبيل  وحدة 22 مايو  على ذلك ب ( وحدة آبار النفط ) اي أن الوحدة اليمنية نشأت بفعل المصالح والحقوق النفطية المشتركة للطرفين وليست نتاج رغبات وحماس وعواطف  القادة السياسيين  الذين رفعوا علم الوحدة بعد ذلك في عدن.
قبل 22 مايو 1990 م كان أمام قيادات الشطر الجنوبي حينها 3 خيارات :
 الأول : الاستيلاء على منابع  نفط  شبوة  بالقوة  من خلال  حرب طاحنة بين الشطرين مجهولة العواقب ,  لا تبقى ولا تذر.
الثاني : توقيع معاهدة استثمار ومنافع مشتركة مع الطرف الآخر لآبار النفط والغاز في شبوة. 
 الثالث : الشروع في قيام وحدة اندماجية بين شطري اليمن.
فوقعت رغبة غالبية قيادات الحزب على الخيار الثالث  ليس هياما بالوحدة غالبا ولكن للهروب من مرارة حصار وعبث العسكريين الجنوبيين الذين وقفوا حجرا عثرة إزاء قيام مؤسسات  السلطة بمباشرة مهامها الإدارية والسياسية بعد نكبة 13 يناير 1986م ..
 ورموز الانتقالي اليوم نسخة مصغرة من بقايا عقلية يناير العبثية , فقد انتزعوا في الماضي من البيض أمين عام الحزب رئاسة الدولة ومنحوها للعطاس الذي لم يستطع  ممارسة سلطاته أيضا , وكان موكب حراسته يتعرض للتفتيش المهين  , أما رئيس الوزراء ياسين سعيد نعمان فلم تكن له أي سلطات حقيقية على إدارة المؤسسات والمصانع التي  فرض عليها  العسكر قيادات من أبناء مناطقهم , لتصل انتاجيتها الى الحضيض وتفشل لاحقا , وشكى الرجل ذلك بمرارة أمام حشد من الإعلاميين في عدن قبل الوحدة .
اليوم  تصرفات مليشيات الانتقالي المتهورة في شبوة وغيرها  تعيد أوضاع اليمن   ضمنيا الى مرحلة أجواء الحرب الباردة  , وهم يمعنون في تخريب المتاح بين ايدينا من موارد ومداخيل  الاقتصاد  الضئيلة  ويدفعون من بقي من شركات النفط والغاز والاستثمارات  إلى مغادرة   مربعات وحقول  الهمجية  والتوحش.
وبإمكان المتحمسين  لمعزوفة فك الارتباط او الانفصال فرض مشروعهم على الآخرين وخلط  الأوراق بقوة الطباع  , لكنهم لا يستطيعون مواجهة استحقاقات  وتبعات (وحدة آبار النفط) التي أسست  لدولة  وعقد شراكة اجتماعي  جديد , فقد تتراجع او تضمر ملامح الوحدة التقليدية , ولكن وحدة مصالح اليمنيين المشتركة أقوى من ذلك بكثير.