هل يمكن القول إن الوحدة قد تحققت بجميع أركانها ودعائمها، أم أن أحداث ومجريات الحاضر كشفت حجم الفجوة وعمقها الأليم.
في ٢٢ مايو من كل عام كان يوم إجازة واحتفال كرنفالي واستعراض للقوة، ولم أكن مدركاً أن تلك القوة هشة من الداخل كالوحدة التي تحققت، وأن ذلك الاستعراض المهيب في كل عام يقيد نار الحقد التي لم تنطفئ في نفوس الأطراف المغلوبه، أو الطرف المهزوم من الصراع، حتى أذا ما برات وكانت على وشك الانطفاء، عادت واشتعلت،
بمعنى آخر أن الاحتفال واستعراض القوة كان دليلاً على وجود مشكلة يتم تذكيرنا بها في يوم ٢٢ مايو كل عام.
الفجوة بدأت مع اغتيال الرئيس الحمدي
الذي كان يسعى إلى توحيد الإنسان اليمني وجمع شتاته من شطريه المنفصلين، وكان يعي مفهوم الوحدة وشروطها وأهمية أستاندها على بنية الإنسان اليمني وساعديه، وأن تُبذر في أفئدته وتروى بماء قلبه الأرق.
كان يدرك جيداً أهمية ذلك وبدأ بزرع أولى بذور الوحدة قبل أن يكون رئيساً.
في حادثه يرويها يوسف الشريف ” بعد أحداث عام ١٩٧٢ الدامية كانت هناك لقاءات تجمع بين القاضي عبدالرحمن الإرياني والرئيس سالم ربيع علي ”سالمين“ في ليبيا، من أجل المصالحة ومعالجة القضية اليمنية، وكان جو بن غازي بارداً، والحمدي كان مع الوفد المرافق وقد شاهد الرئيس سالمين متأثراً من البرد فخلع ” الأوفر جاكت “ خاصته وأقسم عليه بأخذه ففعل الأخير، على الرغم أن الحمدي كان مصاباً بالتهابات اللوزتين.
وفي مقابلة للرئيس سالمين يقول ” الحقيقة أن الرئيس الحمدي كان مؤهلاً لزعامة اليمن الموحد، وهو لم يكن ينتمي إلى قبيلة تسعى إلى الحكم والسلطة، لكنه تربى في بيت علم ودين وثقافة، وكان والده قاضياً، والحمدي كان يجمع بين تلك المقومات وبين احتكاكه المبكر بالحركة الوطنية والتنظيمات السياسية، وخبراته في السلطة وفي القوات المسلحة، وكان يعرف ما يريد، ويخطط بدقة لأهدافه السياسية.
ويقول ايضاً ” كان هناك اتفاق بيننا على تطوير العلاقات بين شطري اليمن إلى مستوى أرقى، بدأنا بوضع كتاب موحد من جزئين عن تاريخ اليمن يُدرس في جميع مدارس المرحلة الأولى، حتى تنأى بالجيل الجديد عن أوضاع التمزق والأنفصال الذي عايشه الجيل القديم، وكان هناك اتفاق على تطوير التعليم وربطه بخطط التنمية، كذلك تنسيق البرامج في التعليم الجامعي بما يواكب حاجتنا وظروف بيئتنا“
الوحدة لم تتحقق بالشكل المشروط لتحقيقها، إضافة إلى ذلك فقد تم التعامل معها على أساس الغالب والمغلوب، فتفرعت أساسياتها، وتشابكت سياساتها، ومُرغت أدواتها بالفساد وباللامبالاة لما قد يحدث مستقبلاً، وهاهو قد حدث ولا نعلم ما سوف يحدث، مالم نتلافَ ذلك بصدق المحبة والإخلاص للإنسان اليمني قبل جغرافيته.