عن البطل الشعبي !

د. محمد فائد البكري
د. محمد فائد البكري
2023/04/29 الساعة 10:42 صباحاً

 

 

 

      قال الشاعر محمد الفيتوري: " كلما زيفوا بطلا قلت قلبي على وطني".

في زمننا ما أكثر تزييف الأبطال وادعاء البطولات! وما أقل ما نتأمل في حقيقة البطل ومشروعه وقضيته وشعاراته!
وما أقل ما ندرك أن وجود البطل الشعبي مؤشرٌ على تدني الوعي السياسي في المجتمع، ودليل على غياب المؤسسة.
   ما أقل ما نعي أن كل مديح للبطل الشعبي هو بالنتيجة هجاء للوطن، وكلما زادت شعبية البطل المزعوم كان ذلك انتقاصا لمفهوم الوطن.

    تثبت الوقائع أن الشعبوية مرضٌ إذا أصاب شعبا أفقده فاعليته وجعل منه قطيعا من الغوغاء؛ وصار كل فرد فيه مجرد رقم يرى نفسه قاصرا يبحث عن أب يرعاه ويكفله ويخطط له ويؤدبه!

وتلك الآلاف أو الملايين التي تتجمهر وتحتشد في الساحات لسماع خطاب البطل هي في الواقع ملايين من القاصرين عن إدراك مصالحهم ومعرفة ما يريدون.

    كلما تحوَّل الممسك بالسلطة إلى بطلٍ شعبيٍ تلغي الجماهير عقولها وتندفع وراءه بغريزة القطيع، مذعنةً مطيعةً طاعة عمياء، وترى أنها تؤدي مهمةً تاريخية.
 وتتقبل منه أي إهانة أو إذلال، وتتمرس على الانسحاق إلى درجة أن تخدع نفسها، وترى احتقار البطل لها واستهانته بحرياتها وحقوقها حزما وخوفا عليها. وإدراكا منه لمصلحتها، ولما  تستحقه.

يذكر علم نفس الجماهير أن الشعوب التي تتعلق بشخصيات وترتفع بها فوق شروطها الإنسانية، وتحيطها بهالات من التبجيل والتقديس هي في الغالب شعوبٌ مقهورة أدمنت تعذيب الذات، وصارت لا ترى نفسها مؤهلة لأن يكون لها رأي، وهي عمليا تنظر لنفسها على أنها قاصرة، فقد ولدت لتطيع وتذعن وتنفذ وتصفق وتعيش تابعة منقادة.

   لذلك تبحث فقط عمن يهيجها ويوجهها ويفكر بالنيابة عنها، ويختار لها، ويرشدها، وتتواكل عليه وتصفه بالمُعَلِّم المُلْهم والزعيم الرمز والقائد البطل، وهذا دليل على استلابها نفسيا وفكريا، وانسحاقها وغوغائيتها.

      وحتى حين تتدافع تلك الجماهير، وتستشهد في الدفاع عن الوطن الذي سمعت عنه في خطابات وشعارات البطل الشعبي فإنها لا تدافع عن وطنها هي، وإنما عن الوطن الذي تحدث عنه البطل وحدده ورسَّمه، وشكَّله لها وسوّقه وروَّجه، وجعل نفسه وصيا عليه!

  حينئذٍ يغدو الوطن هِبَة الحاكم، ويغدو عمر الوطن، هو عمر هذا الفرد الذي صار بطلا بفضل جهل أولئك وارتهانهم واحتقارهم لذواتهم، وجهلهم بحقوقهم، وتواطئهم على كرامتهم الإنسانية، وحقهم في الحياة.
      إن الاستبداد لا ينبت إلا على خضوع وخنوع المحكومين وإصرارهم على ممالأة المستبد.