معلومات لأول مَرَّة .. مع عبدالجبار وأحمد هائل سعيد !!

عبدالفتاح الحكيمي
عبدالفتاح الحكيمي
2020/05/14 الساعة 12:28 صباحاً

 

كان هائل سعيد في مناهج ومدارس التعليم الاشتراكي عندنا جنوب اليمن رديفا لاسماء رأسمالية عالمية كبرى أمثال روتشيلد وروكفلر الذين لم نسمع بهم إلا كما قيل لنا على مقاعد الدراسة الإعدادية أنهم يرمون بفائض إنتاج القمح إلى البحر للحفاظ على أسعاره الباهضة!!.
والحقيقة أن المرحوم هائل سعيد لم يكن اغنى اغنياء الجنوب قبل أو بعد الاستقلال, إلا أنه على ما يبدو نجا من مشنقة قرار تأميم الشركات والممتلكات الخاصة وفَرّ بمعظم أمواله المحدودة المحصنة بالزكاة شمالا حيث بيئة الاستثمار المستقرة نسبيا, فاستحق غضب كل اجهزة أمن الثورة, وخسر بضعة عقارات فقط..
 كان تشويه صورة الرجل وغيره في حصص التربية الوطنية والاجتماعيات لسنوات انتقاما من نجاة أمواله وجزءا من الدفاع عن سلامة نهج النظام الاشتراكي الجديد.
لم تسلم ممتلكات عقارات وشركات التجار الآخرين من بطش قانون التأميم  ..
 لا زلت اتذكر في طفولتي التاجر الكبير الباشنفر بأناقته وقامته وعلامات النعمة البادية عليه ودخان البايب( المشرعة) وهو يتنقل من شارع إلى آخر لتحصيل إيجارات بعض شققه الخاصة بحي(المناظر) بالبريقة في عدن , كان إيجار شقتنا لا يتجاوز ١٠٠ شلن, اربع غرف وحمام ومطبخ وحوش صغير.
اختفى الباشنفر وغيره ودفعنا الإيجار للدولة .
تعملقت شركات ووكالات الحاج هائل سعيد شمالا في وقت قياسي, وتحولت من تجارة الاستيراد والوكالات لتجمع أيضا مؤسّسية التصنيع والإنتاج,  في مغامرة محفوفة لا يجرؤ عليها في بلد مشتعل كشمال اليمن.
وربما ليست مبالغة تميز مجموعة شركات هائل سعيد بروح المغامرة في أصعب الظروف .. فعاد أبناؤه مرة أخرى بعد توحيد البلاد للاستثمار الصعب والحذر جنوبا ..
 تخلى الحزب الاشتراكي عن سياساته الاقتصادية المتطرفة لكن شبح قانون التأميم لم يغادر الأذهان.
كان ورثة هائل سعيد أنعم أكثر توجسا وحساسية في عدن من غيرهم  بعد الوحدة ٢٢ مايو ٩٠م  إلى درجة أن أحد أبنائه كما ذكر لي شخصيا  تردد في كتابة رسالة شكر خاصة   لصحفي من عدن قد تسبب(لا شيء) .. لكنه غلب عليهم طبع الاصرار  والتحدي .. فليست مقولة (رأس المال جبان) صحيحة في كل الأحوال .. عاودوا بشركات استيراد عامة ثم غامروا بعدها بمطاحن الدقيق والغلال بالمعلا في عهد الاشتراكي الذي ظل يحكم الجنوب بعد الوحدة أيضا .. وخسارتها المحتملة لأي سبب  في أي لحظة لا تؤثر كثيرا على رأسمال ضخم تجاوزت أصوله الثابتة والمنقولة حدود اليمن بكثير.
في حرب صيف ٩٤ م تعرضت مخازن شركات خاصة وعامة في وسط وضواحي عدن لنهب شامل فظيع, تذكرت العدو التاريخي للاشتراكية روكفلر وروتشيلد وهائل سعيد وباشنفر  ..
كانت عدن لا تزال قبل ٧ يوليو ٩٤ م تحت قبضة قوات الاشتراكي.
تواصلت مع الأستاذ عبدالجبار هائل سعيد رئيس مجلس الإدارة للاطمئنان(المواساة) لكنه فاجأني ان شركاتهم ومخازنهم لم تتعرض لجائحة النهب كغيرها, بل وأضاف شهادة لله أن قوات سلطة الاشتراكي نفسها قامت بتوفير الحماية الأمنية لكافة ممتلكاتهم في عدن, ولم يتعرضوا لما حصل لغيرهم !!..
وامصيبتاه أين ذهب كل الحقد الطبقي على رؤوس الأموال المتوحشة وأين تبددت نظريات ماركس وانجلز ولينين, كانت فرصة تاريخية لكي يثبت الاشتراكيون بعض نظريات الصراع الطبقي والتعبئة الإعلامية والتحريض القديم لعقود خصوصا مع خصمهم اللدود هائل السعيد أو مع ورثته  .. لكنهم خذلوني وحرموا قلمي المتوثب من مادة دسمة وعناوين صحفية مثيرة تفضح فظاعة وبشاعة التطرف الذي يبدو أن عقلية الاشتراكيين الجديدة تجاوزته قبل سنوات كثيرة.
▪مواقف أخرى:
لا أنكر ما فعلته بنا التعبئة الفكرية الخاطئة فَظَلَلْت أيضا في حالة توجس من رأسمالية بيت هائل سعيد, وفكرت ذات يوم بمصير الطبقة العاملة المظلومة, وكانت ضائقة معيشة موظفي وعاملي الدولة قد تفاقمت أوائل عام ١٩٩٢ م إلى درجة تفاجأت معها إن الذي كان يقود المعركة الخفية لزيادة أجور ومرتبات ليست نقابات عمال الجمهورية بل هو المرحوم طيب الذكر الأستاذ أحمد هائل سعيد أنعم .
حدث ذلك في لقاء بالمصادفة في زيارة لي إلى تعز .. شَقَقْت طريقي بصعوبة إلى مؤتمر عقدته الغرفة التجارية الصناعية بتعز مع وزير التموين والتجارة الأستاذ فضل محسن عبدالله, لإن الدولة طالبت بيت السعيد وباقي التجار بتخفيض الأسعار, فيما أصر أبو شوقي أحمد هائل إلا أن تستجيب الدولة لضرورة تحسين معيشة موظفيها وتحمل الأمانة أولا, وأنه يشعر شخصيا بالخجل أن لا يتمكن الناس من مواجهة أبسط ضرورات الحياة وليس شراء منتجات هائل سعيد ..
لم أصدق حماسة أحد أقطاب البرجوازية الكمبرادورية المتوحشة المناهضة لتطلعات الكادحين والبروليتاريا( الطبقة العاملة), قلت هذه مرواغات رأسمالية وهروب من استحقاقات.!!.
 في اليوم التالي اقتحمت مكتب  الأستاذ الجليل عبدالجبار هائل سعيد انعم رئيس مجلس الإدارة دون موعد, كانت أمامه  فوق طاولة المكتب بالمصادفة رزمة كشوفات .. وكانت تؤرقني حقوق العمالة , وكالذي أوقع خصمه الإمبريالي اللدود في فخ كبير, طرحت عليه بكل برود معاناة منتسبي القطاع الخاص المعيشية وتجاوزت حساسية الأمر بسؤاله عن الفارق بين أجور موظفي الدولة ومظلومية عمال القطاع الخاص .. وكان أكثر بروداً وتلقائية في الرد( هذه الكشوفات أمامك هي زيادة جديدة في مرتبات عمال وموظفي شركاتنا) .. وأضاف: نحن لا نتقيد بقرارت الحكومة في زيادة مرتبات موظفيها, بل نقوم  بزيادة تلقائية للأجور من واقع المعيشة وغيرها).
اما أنا فَتَلَفّتُّ يمينا ويسارا أبحث عن مقولة للعم لينين أو  الخال الفاضل ماركس أو فريدريك انجلز تسعفني في الرد على قلعة الرأسمالية المتوحشة, فلم أجد شيئا حتى وانا استنجد بداخلي بابن علوان والباهوت والجبرتي .. ولا أدري بعد كل هذا العمر الذي جمعني  بكبار رموز قلاع الراسمالية في اليمن هل انمحت واضمحلت من مخيلتي الأوهام وثقافة كراهية وحسد الآخرين التي رضعناها صغارا كمنهج أم أننا راجعنا تخبطاتنا الفكرية كما فعل الاشتراكيون قبلنا.
▪وحين اشتدت الازمات المعيشية والاقتصادية الخانقة والأوبئة باليمن مؤخرا رأينا كيف امتدت أيادي هذه المجموعة التجارية المباركة لتتكفل حتى بمشاريع من صميم  واجبات الدولة كما هو تبنيهم الشهر الماضي شق وبناء طريق الراهدة قعطبة على نفقتهم, ثم يرتفع سقف كرمهم السخي لتقديم أكبر دعم طبي لمواجهة وباء كورونا وغيره وتوسيع رقعة إعانة وكفالة الفقراء في عموم اليمن رغم ما حل بمنشآتهم من أضرار الحرب, ذلك لأنهم قدموا تجارتهم مع أرحم الراحمين على أي مكاسب  واعتبارات دنيوية اخرى.
فأهمية الأعمال الخيرية لمجموعة شركات المرحوم هائل سعيد أنعم ليست في حجم ما تقدمه للآخرين فقط, لكنها أيضا  في بصمة التنافس الإنسانية التي تركتها على باقي شركات التجارة والصناعة والاستثمار في اليمن, وحذت في تقليد فعل الخير.
نسأل الله توفيق كل الخيرين لمرضاته وأن يحفظهم لقضاء حوائج العباد.